فصل: مسألة قال كل امرأة أتزوجها اثني عشر شهرا فهي طالق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة رجل كان له ربيب يأتي إلى بيته بخبز فقال له رابه أمك طالق إن أنت جئت إلي بيتي بخبز:

وعن رجل كان له ربيب يأتي إلى بيته بخبز فقال له رابه: أمك طالق إن أنت جئت إلي بيتي بخبز ووجدته لأطرحنه في الخربة، فدخل عليه الغلام وهو جالس ومعه خبز فوضعه على سريره وهو ينظر، فسخبت له أمه فخرج بالخبز.
قال إن كان يقدر أن يأخذ الخبز فتوانى فأراه حانثا، وإن كان فاته هربا ولو أراد أخذه لم يقدر عليه فلا حنث عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم لا اختلاف في أن من حلف ألا يفعل فعلا فلم يمكنه فعله حتى فات فواتا لا يمكنه البر فيه بعدم الإمكان فلا حنث عليه كمسألة الحمامات من نذور المدونة، ومن حلف ليضربن عبده فمات قبل أن يمكنه أن يضربه، وما أشبه ذلك، وإنما اختلف إذا لم يمكنه الفعل لمنع المشرع منه، وقد مضى هذا المعنى مشروحا مبينا في رسم طلق من سماع ابن القاسم وفي غيره من المواضع، ومعنى سخبت به أمه صاحت؛ لأن السخب ارتفاع الأصوات وهو يكتب بالصاد والسين، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف سيد الجارية بطلاق امرأته البتة إن لم يبعها إياه بمائة دينار قائمة:

وكتب إلى ابن القاسم وسئل عن رجل كان قاعدا هو ورجل آخر حتى أقبلت جارية للرجل فقال له عبد الله وهو الجالس مع صاحب الجارية هذه جاريتك؟ قال: نعم، قال أتبيعنيها بمائة دينار؟ فقال الرجل سيد الجارية: أتأخذها بمائة دينار؟ قال عبد الله نعم أنا آخذها بمائة دينار، فقال الرجل سيد الجارية يمينك في يميني أن تأخذها بمائة دينار، قال عبد الله: نعم، فحلف سيد الجارية بطلاق امرأته البتة إن لم يبعها إياه بمائة دينار قائمة، فنهض عبد الله وفارق سيد الجارية فغاب عنه قدر أربعة أيام، ثم قدم على صاحب الجارية فأرسل إليه رجالا يسألونه أن يأخذها بمائة دينار ثم يقيله منها، فقال لهم سيد الجارية إن كان هذا الأمر لا يدخل علي ولا على صاحبي أمرا أكرهه فأنا فاعل، وكان من قول الرجلين اللذين أتيا سيد الجارية إن عبد الله يكسو الجارية بدينارين ويقيله منها، فقال لهم سيد الجارية: نعم أنا فاعل إن كان هذا الأمر لا يدخل علي فيه مكروه، فدفعوا إلى سيد الجارية الدينارين ثم ذهبوا فأتوا بعبد الله ومعه مائة دينار، فقال له خذ ثمن جاريتك، فقال له سيد الجارية دنانيرك قائمة قال له عبد الله: نعم فعد له مائة دينار حتى صارت في يدي صاحب الجارية فطلب إلى سيد الجارية النفر الذين جاؤوا معه فرد الرجل المال إلى عبد الله مكانه ثم مر بذلك أيام فأخذ سيد الجارية الدينارين اللذين دفعهما إليه فوزنهما فإذا هما ناقصان، فأتى بهما إلى الرجلين اللذين طلبا لعبد الله، فقال: إن هذين الدينارين ناقصان، فقالوا له: هما بوزن المائة التي دفعت إليك، فقال الرجل كيف يقول عبد الله إنها قائمة كلها، وإنما خشي الرجل أن يكون دخل عليه بذلك في يمينه شيء لأنه يرى أن قبضه تلك المائة هو حقه ومبايعته صحيحة، فأحببنا علم رأيك.
فقال ابن القاسم: قد فهمت كتابك. أما البائع فليس عليه من الحنث قليل ولا كثير، باعها بالثمن أو بأقل إذا أمكن المشتري من الجارية بالمائة التي حلف عليها ولم يحلف على ألا ينقصه إنما حلف على أن يعطيها إياه بمائة دينار، ولو أعطاه إياها بتسعين دينارا ما كان حانثا، وإنما يحنث لو لم يبعها إياه بالمائة ولم يمكنه منها حتى تزداد على المائة، ولم يحلف على ألا ينقصه من المائة، إنما حلف أن يمكنه منها بمائة، وإنما الحنث على المشتري فيما دخل فيه وأرى الحنث قد لزمه، والبائع فلا حنث عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة واضحة لا إشكال فيها ولا احتمال في شيء من معانيها؛ لأن صاحب الجارية إنما حلف ليبيعنها بمائة دينار قائمة، فمعنى يمينه إن شاء الله أن يأخذها، فإذا أمكنه منها بالمائة فقد بر إذا لم يحلف عليه أن يشتريها منه بالمائة، والمشتري حانث لأنه حلف أن يشتريها بالمائة إن أمكنه صاحبها منها بالمائة ثم لم يشترها إذ لم يأخذها بالمائة إلا على شرط أن يقيله منها، وهذا بين وبالله التوفيق.

.مسألة قال لغريمه امرأته طالق إن لم يوفه حقه في شعبان ورمضان:

وسئل عن رجل قال لغريمه امرأته طالق إن لم يوفه حقه في شعبان ورمضان.
قال إن قضاه في شعبان الحق كله أو بعضه وقضاه بقيته في رمضان فلا حنث عليه، وإن لم يقضه في شعبان شيئا وقضاه جميع الحق في رمضان فهو حانث، وكان أحب إلي أن لو قضاه نصف الحق في شعبان ونصفه في رمضان، ولكن لا حنث عليه إذا قضاه ثلثا أو ربعا أو بعضه في شعبان وقضاه بقيته في رمضان، وأما إذا قضاه جميع الحق في شعبان فلا حنث عليه.
قال محمد بن رشد: لا إشكال في أنه إذا قضاه جميع الحق في شعبان أو قضاه منه في شعبان الثلث فما فوق وقضاه بقيته في رمضان فقد بر ولا حنث عليه؛ لأن الثلث آخر حد اليسير وأول حد الكثير، وأما إذا لم يقضه منه في شعبان إلا يسيرا لا قدر له ولا بال فهو حانث وقوله في الرواية ثلثا أو ربعا أو بعضه يدل على أنه يبر إذا قضاه منه في شعبان أقل من الربع وهو الخمس ونحوه. ومعنى ذلك عندي في المال الكثير الذي يكون الخمس منه ونحوه له قدر وبال استحسانا أيضا على غير قياس، وأما إن كان المال يسيرا فلا يبر إلا أن يقضيه في شعبان الثلث فأكثر، والقياس أن يكون المال القليل والكثير في ذلك سواء لا يبر إلا أن يقضيه منه في شعبان الثلث فأكثر؛ لأنه إذا ثبت الفرق في ذلك بين القليل والكثير ووجب الفصل بينهما لم يوجد في ذلك حد يصار إليه إلا الثلث الذي قام الدليل من كتاب الله وسنة نبيه على أنه آخر حد اليسير وأول حد الكثير، وقد قالوا في الرجل يحلف ليرضين رجلا من حقه أنه يبر بأن يقضيه ثلث حقه فأكثر حسب ما مضى القول فيه في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النذور، وهذا من معناها؛ لأن الحالف لما علم أن صاحب الحق لا يرضى منه أن يقضيه حقه حلف ليقضينه إياه في شعبان فوجب ألا يبر إلا بأن يقضيه منه في شعبان ثلثه وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأته أنت طالق اليوم إن دخل فلان غدا الحمام:

وسئل عن رجل قال لامرأته أنت طالق اليوم إن دخل فلان غدا الحمام.
قال: لا يطلق عليه حتى يدخل، قال ويمسها.
قال محمد بن رشد: هذا كلام فيه تجوز، وقد وقع مثله في كتاب الظهار من المدونة في باب الظهار إلى أجل، فليس على ظاهره؛ لأن فيه تقديما وتأخيرا، ومعناه على الحقيقة دون تقديم وتأخير: وسئل عن رجل قال اليوم لامرأته أنت طالق إن دخل فلان غدا الحمام، فهذا صواب الكلام وعليه أتى الجواب لأنه قال لا يطلق عليه حتى يدخل. وقوله قال ويمسها يريد فيما بينه وبين غد، وهو صحيح لأنها يمين بالطلاق هو فيها على بر، فلا اختلاف في أن له أن يطأ إلى الأجل وبالله التوفيق.

.مسألة يقول إن أكلت من طعام أخي فامرأته طالق فيصحبه في سفر فيشتريان طعاما:

وسئل عن الرجل يقول إن أكلت من طعام أخي فامرأته طالق، فيصحبه في سفر فيتمازجان فيشتريان طعاما فيكون طعامهما واحدا.
قال ابن القاسم أحب إلي ألا يفعل، قيل قد فعل، قال فإن كان لم يتفضله في النفقة وكانت النفقة بينهما سواء فلا حنث عليه، وإن تفضله بالنفقة فقد حنث.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم أوله يدير ماله من سماع عيسى من كتاب النذور، فمن أحب الوقوف على ذلك تأمله وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بطلاق امرأته ألا يستخدم عبد فلان وعتق العبد فاستخدمه:

وسئل عن رجل حلف بطلاق امرأته ألا يستخدم عبد فلان وعتق العبد فاستخدمه، قال إن كانت له نية ما دام في ملكه فلا حنث عليه وينوى وإن لم تكن له نية فهو حانث.
قال محمد بن رشد: رأيي في هذه الرواية أن العبد يتعين بإضافته إلى سيده إذ قال عبد فلان وإن لم يسم العبد باسمه ولا أشار إليه فقال إنه يحنث إن استخدمه بعد العتق إلا أن ينوي ما دام في ملكه، ومثله يأتي في رسم الرهون من هذا السماع خلاف ما في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى في مسألة الجنان، وخلاف ما في كتاب النذور من المدونة من أن ذلك لا يتعين إلا بالتسمية له أو الإشارة إليه وكذلك إذا قال الرجل للكري أكتري منك دابتك وليس له إلا دابة واحدة فتتعين على هذا القول، ولا تتعين على القول الأول إلا أن يقول دابتك هذه أو دابتك الفلانية. وأما إذا كانت لرجل دواب كثيرة أو عبيد كثيرة فلا اختلاف في أنه لا يتعين منهم شيء إلا بتسمية أو إشارة إليه، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف أن يطأ امرأته فوطئها وهي حائض:

قال ومن حلف أن يطأ امرأته فوطئها وهي حائض أو في يوم رمضان نهارا فلا يبر، ومن حلف ألا يطأها فوطئها وهي حائض أو نهارا في رمضان فقد حنث.
قال محمد بن رشد: تفرقته في هذه المسألة بين البر والحنث ليس بجيد؛ لأن ذلك إنما يفترق في معنى الخصوص والعموم حسب ما مضى القول فيه في أول هذا الرسم. وقد ذكر ابن المواز عن ابن القاسم أنه تزول يمينه عنه بذلك الوطء ويأثم ولا حنث عليه، وهذا هو الصواب أن يبر بهذا الوطء كما يحنث به، أو ألا يحنث به كما لا يبر به، فمن حمل يمينه على مقتضى اللفظ رأى أنه يحنث به إذا حلف ألا يفعل ويبر به إذا حلف ليفعلن؛ لأنه وطأ في كلا الحالتين على الحقيقة، وإن كان الشرع قد حظر أحدهما. ومن حمل يمينه على الوطء الحلال لأنه رأى أن ذلك هو مقصد الحالف بيمينه لم ير الحنث بالوطء في الحيض إذا حلف ألا يطأ، ولا أن يبر به إذا حلف ليطأن وبالله التوفيق.

.مسألة حلف لرجل فقال امرأته طالق البتة إن لم أقضك حقك غدا يوم الجمعة وهو يظن أنه الجمعة:

ومن كتاب أوله سلف دينارا في ثوب:
وقال في رجل حلف لرجل فقال امرأته طالق البتة إن لم أقضك حقك غدا يوم الجمعة وهو يظن أنه الجمعة فإذا هو الخميس، قال إن لم يقضه ذلك يوم الخميس حنث لأن يمينه كانت على الخميس حين قال غدا، فكانت يمينه على غد، قيل له فإن قال يوم الجمعة غدا فإذا هو الخميس فقال: هذا ضلال أهل العراق يقولون إذا قدم أو أخر؟ ورأى ابن القاسم ذلك كله واحدا؛ لأن يمينه على غد حين سمى غدا. وقاله أصبغ وقال هو أحب ما سمعت إلي، وهو رأيي إلا أن يستثني إن كان غدا الجمعة استثنى تحرك به لسانه ويسمع نفسه فأراه ينفعه.
قال محمد بن رشد: قوله ورأى ابن القاسم ذلك كله واحدا يدل على أن الجواب المتقدم لمالك، يدل على ذلك أيضا قوله: هذا ضلال أهل العراق، ولأنه يعرف من مذهبه الطعن عليهم، وأما ابن القاسم فكثير ما يميل إلى مذاهبهم في مسائله ويراعي أقوالهم فيها، وقوله في هذه المسألة صحيح على أصل مذهبه في ترك الاعتبار بمجرد الألفاظ في الأيمان إذا ثبتت المعاني المقصودة بها وعدمت من النيات؛ لأن المعلوم من قصد الحالف ليقضين أو ألا يقضي تعجيل القضاء أو تأخيره لا تسمية اليوم، فإذا قال الرجل امرأتي طالق إن لم أقضك حقك غدا أو بعد غد يوم كذا أو يوم كذا غدا أو بعد غد فإنما تحمل يمينه على غد إن كان ذكر غدا أو على بعد غد إن كان ذكر بعد غد، ولا يلتفت لتسمية إياه بيوم كذا أصاب في ذلك أو أخطأ فيه، إلا أن يريد اليوم الذي يسمى بذلك الاسم ويأتي مستفتيا فينوى في ذلك، وأما مع قيام البينة عليه فلا تقبل منه النية ولا يصدق فيها، وهو قول أصبغ ألا أن يستثني إن كان غدا الجمعة استثناء يحرك به لسانه ويسمع نفسه فأراه ينفعه، يريد فيما بينه وبين الله، وأما في الحكم فلا إلا أن يشهد على ذلك من استثنائه، وقول أهل العراق في تفرقتهم بين أن تقول غدا يوم الجمعة ويوم الجمعة غدا هو صحيح على أصولهم في الاعتبار بما يقتضيه مجرد الألفاظ دون مراعاة المعاني والمقاصد؛ لأنه إذا حلف ليقضينه حقه غدا يوم الجمعة فاليمين إنما وقعت في مقتضى اللسان على القضاء غدا، ووصفه لغو في يمينه بأنه يوم الجمعة غلط منه فلا يلتفت إليه، وإذا حلف ليقضينه حقه يوم الجمعة غدا فاليمين إنما وقعت في مقتضى اللسان على القضاء يوم الجمعة، ووصفة ليوم الجمعة في يمينه بأنه غذ غلط، فلا يلتفت إليه، فهذا وجه القول في هذه المسألة والله أعلم.

.مسألة حلف على قريب له ألا يعيره ثوبا أبدا فوهبه له:

وسئل عن رجل حلف على قريب له ألا يعيره ثوبا أبدا فوهبه له.
قال إن كان رأى ألا ينفعه هو حانث، وإن لم يكن أراد المنفعة فالهبة غير العارية فلا أرى عليه شيئا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد تكررت في رسم يدير ماله من هذا السماع من كتاب النذور، ومضى القول عليها هناك مستوفى فليتأهله من أحب الوقوف عليه وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأته أنت طالق إن قبلتني فتستغفله وتقبله:

وقال: من قال لامرأته أنت طالق إن قبلتني فتستغفله وتقبله أنه حانث إلا أن يكون قال إن قبلتك فتستغفله فتقبله فلا حنث عليه، وكذلك إن قال إن فارقتني أو فارقتك أو تركتني أو تركتك فتنتزع منه بشدة أو بسرعة أو بفك يده فتهرب منه، المسألة الأولى سواء، وكذلك ضاجعتني وكذلك إن قال إن دخلت عنده الدار فيوثق حتى يدخلها فلا شيء عليه، كأنه يقول يحنث في أحدهما ولا يحنث في الأخرى، والحنث في الذي يقول إن فعلت، والبر في الذي يقول إن فعلت فتستغفله حتى تفعل ذلك أو يكره عليه.
قال محمد بن رشد: ساوى في هذه الرواية بين أن يقول إن قبلتني أو قبلتك أو تركتني أو تركتك أو فارقتني أو فارقتك أو ضاجعتني أو ضاجعتك وقال إنه إذا قال إن قبلتك أو تركتك أو فارقتك أو ضاجعتك فقبلته هي أو تركته أو فارقته أو ضاجعته ولم يفعل هو بها شيئا من ذاك بل غلبته عليه بقبلة أو قهرة أو ما أشبه ذلك أنه لا حنث عليه، وهو صحيح وان كانت المفارقة والمضاجعة مفاعلة من الحالف والمحلوف عليه، والتقبيل والترك فعل من الحالف وحده لأن المفاعلة من غير المفاعلة إنما تفترق فيما يقتضيه اللفظ في حكم اللسان، لا فيما يقع به الحنث مما لا يقع في حكم الشرع، وذلك أن الذي يحلف ألا يضاجع امرأته لا يحنث على ما يقتضيه اللسان إلا بتضاجعهما معا، ولا يحنث إن ضاجع أحدهما صاحبه الآخر ولم يضاجعه الآخر وفي حكم الشرع يحنث إذا ضاجع امرأته ولم تضاجعه كما يحنث إذا ضاجعها وضاجعته؛ لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، ولا يحنث إذا ضاجعته ولم يضاجعها إذ لم يكن منه شيء يحنث به، فلما كان يحنث بمضاجعته إياها ضاجعته هي أو لم تضاجعه ولا يحنث بمضاجعتها إياه إذا لم يضاجعها هو صار حلفه ألا يضاجع امرأته بمنزلة حلفه ألا يضطجع إلى جنبها وألا يقبلها وألا يتركها، وكذلك القول في المفارقة كالقول في المضاجعة وفرق في المدونة بين الذي يحلف ألا يضاجع امرأته وألا يفارق غريمه من جهة المعنى لا من جهة افتراق اللفظ؛ لأن المضاجعة مفاعلة كالمفارقة فقال في الذي يحلف ألا يضاجع امرأته إنه لا يحنث إن ضاجعته ولم يضاجعها مثل قوله هاهنا، وقال في الذي يحلف ألا يفارق غريمه فهرب وفر منه إنه حانث إلا أن ينوي غلبته إياه؛ لأنه إذا فر عنه وهو قادر على منعه فقد فارقه، وكذلك أيضا لو ضاجعته امرأته وهو قادر على منعها لكان قد ضاجعها ولزمه الحنث، فتفرقته في المدونة بين المفارقة والمضاجعة إنما هو لافتراق المعنى عنده في قصد الحالف فحمله في المفارقة على أنه إنما أراد أن يمنعه من مفارقته إياه فرآه حانثا إذا فارقه إلا أن ينوي أنه إنما فارقه بغلبته إياه على ذلك، وحمله في المضاجعة على ما يقتضيه اللفظ فلم يره حانثا إذا ضاجعته إلا أن يكون تراخى لها في مضاجعتها إياه حتى أمكنها من ذلك والله أعلم.

.مسألة حلف بالله أو بالطلاق أو غيره أن يصوم غدا فيصبح صائما ثم يأكل شيئا:

وقال في الرجل يحلف بالله أو بالطلاق أو غيره أن يصوم غدا فيصبح صائما ثم يأكل شيئا: إنه لا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: إنه إنما قال إنه لا شيء عليه لأن الأكل ناسيا لا يخرجه عن أن يكون صائما، بخلاف ما لو أصبح مفطرا ناسيا، وقد قال ابن دحون: إنها مسألة حائلة، والحنث يلزمه على أصولهم فيمن حلف ألا يفعل شيئا ففعله ناسيا، وليس ذلك بصحيح؛ لأن أكثر أهل العلم لا يوجبون القضاء على من أفطر في رمضان ناسيا للحديث الوارد في ذلك، وقد مضت هذه المسألة والقول فيها في سماع عيسى من كتاب الصيام ومن كتاب النذور وتأتي في سماع أبي زيد من هذا الكتاب.

.مسألة حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها إلا كفؤا:

وقال في رجل حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها إلا كفؤا، فاشترى جارية فاعتقها ثم تزوجها وهو ناس ليمينه وهو في نيته من الموالي: إنه إن كان أراد الكفؤ في الحسب ولم يرد الكفؤ في الدين فهو حانث لأن مولى الرجل الذي يعتق ليس كفؤا.
قال محمد بن رشد: هذا بين أنه إن أراد الكفؤ في الحسب، ولم يرد الكفؤ في الدين أنه حانث وإن أراد الكفؤ في الدين فلا حنث عليه إن كانت كفؤا له في الدين، وإن لم تكن له نية ولا كان ليمينه بساط تحمل عليه لوجب أن تحمل يمينه على الكفاءة في الدين لقول الله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وهو قول عمر بن الخطاب: كرم المؤمن تقواه ودينه حسبه، وقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، الإنسان مؤمن تقي أو فاجر شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب»، وقال: «ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل صالح». وروي «أن أبا الدرداء توفي له أخ من أبيه وترك أخا له من أمه.. فنكح امرأته فغضب حين سمع ذلك، وأقبل إليها فوقف عليها وقال: أنكحت ابن الأمة؟ فردد ذلك عليها، فقالت: أصلحك الله إنه كان أخ زوجي، وكان أحق بي وبمصابي وولده، فسمع بذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقبل إليه حتى وقف عليه، ثم ضرب على منكبيه فقال: يا أبا الدرداء يا ابن ماء السماء، طف الصاع، طف الصاع، طف الصاع»، وطفاف الصاع هو نقصانه على أن يمتلئ، فأعلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتساويه معه ومع الناس في النقصان بقوله طف الصاع طف الصاع وأن يتباينوا بالنقصان بقدر أعمالهم المحمودة إذ لا يدرك أحد بنفسه درجة الكمال.

.مسألة يقول لامرأته إذا قدم أبي فأنت طالق:

قال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه قال للذي يقول لامرأته: إذا قدم أبي فأنت طالق إنه لا شيء عليه حتى يقدم أبوه.
قال القاضي: هو صحيح. ومثله في المدونة وغيرها لا اختلاف في ذلك لأنه مطلق إلى أجل قد يكون وقد لا يكون وليس الأغلب منه أن يكون ومثله في إلا أن يكون، ولو كان الأغلب منه أن يكون لعجل عليه الطلاق عند ابن القاسم خلافا لأشهب، ولو كان لابد أن يكون قبل انقضاء ما يعمران إليه لعجل عليه الطلاق بإجماع في المذهب، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأته إذا قدمت بلد كذا فأنت طالق:

قال ابن القاسم ولو أن رجلا قال لامرأته إذا قدمت بلد كذا فأنت طالق كانت بمنزلته لأنه ضرب أجلا لا يدري أيبلغه أم لا، وليس هو بمنزلة من يقول أنت طالق يوم يموت أبي.
قال محمد بن رشد: في أول سماع زونان عن ابن القاسم في رجل قال لامرأته إذا بلغت معي موضع كذا فأنت طالق. فال: هي طالق تلك الساعة، كالرجل يقول لامرأته وهي حامل إذا وضعت فأنت طالق، فذهب ابن لبابة إلى أن ذلك ليس باختلاف من قوله، وأن معنى رواية عيسى إذا لم يخرج ولا عزم على المسير. ومعنى رواية زونان إذا كان قدا خرج وعزم على المسير. والصواب أن ذلك اختلاف من قوله؛ لأن في المدونة عنه من رواية عيسى أنه لا يقع عليه الطلاق وإن خرج متوجها حتى يقدم الموضع، وله في رسم يدير ما له من سماع عيسى من كتاب العتق في الذي يقول لعبده: إذا بلغت الإسكندرية فأنت حر ثم بدا له في الخروج، أنه حر إلى ذلك القدر الذي يبلغ خرج أم لم يخرج، فعلى هذا يعجل عليه الطلاق وإن لم يخرج.
فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يعجل عليه الطلاق وإن لم يخرج، وهو ظاهر ابن القاسم في سماع زونان، والذي يأتي على ما في سماع عيسى من كتاب العتق، والثاني أنه لا شيء عليه حتى يقدم البلد وإن خرج، وهو قول ابن القاسم في المدونة وظاهر قوله في هذه الرواية، والثالث الفرق بين أن يكون قال ذلك قبل أن يخرج أو بعد أن خرج وروى ذلك زياد بن جعفر عن مالك في المدنية وهو الذي ذهب إليه ابن لبابه وبالله التوفيق.

.مسألة طلق إلى أجل يعلم أنه لا يبلغه عمر أحد:

قال ابن القاسم: ومن طلق إلى أجل يعلم أنه لا يبلغه عمر أحد مثل أن يقول مائة سنة أو مائتي سنة فهذا لا شيء فيه ولا طلاق عليه.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح مثل ما في المدونة وغيرها، ولا اختلاف في ذلك، والحد في ذلك بلوغ أجل التعمير على الاختلاف فيه من السبعين إلى مائة وعشرين وبالله التوفيق.

.مسألة يقول كل امرأة أتزوجها بالمدينة طالق:

وقال في الذي يقول كل امرأة أتزوجها بالمدينة طالق قال لا بأس أن يواعدها إذا تزوجها بغير المدينة وعقد نكاحها بغيرها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن المواعدة ليست بعقد فإذا واعدها بالمدينة وعقد نكاحها بغيرها لم يلزمه شيء، ولا يدخل في هذا الاختلاف فيمن واعد في العدة وتزوج بعد العدة إذ لا يقوى قوته؛ لأن النكاح في العدة محرم بالقرآن والإجماع، والمواعدة فيها مكروهة لنهي الله تعالى، وحلف الرجل بطلاق ما يتزوج وإن خص مختلف في لزومه بين أهل العلم، وقد مضى في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب الاختلاف في حد ما يلزمه، أن يتباعد من المدينة إذا أراد عقد نكاحها فلا معنى لإعادة ذكره، وبالله التوفيق.

.مسألة قال كل امرأة أتزوجها اثني عشر شهرا فهي طالق:

وقال في رجل قال كل امرأة أتزوجها اثني عشر شهرا فهي طالق فتزوج امرأة ثم قال لها إن طلقتك إلى كذا وكذا فكل مملوك لي حر، فشهد شاهدان على أصل يمينه، قال: لا عتق عليه في رقيقه لأنها طالق من أول ما تزوجها ولم يبتدئ لها طلاقا.
قال محمد بن رشد: هذا بين لا إشكال فيه أنه لا يلزمه في عبيده شيء؛ لأنه إنما حلف بطلاقها فيما يستقبل، وهي مطلقة من أول ما تزوجها بائنة منه؛ لأن الطلاق يقع عليها بالعقد، فهي مطلقة قبل الدخول، ولو تزوجها ثانية للزمه فيها طلقة بائنة، وعتق عليه بذلك عبيده وبالله التوفيق.

.مسألة يقول لامرأته أنت طالق بعد أن أموت أو تموت:

وقال ابن القاسم في الذي يقول لامرأته أنت طالق بعد أن أموت أو تموت: فليس ذلك بشيء؛ لأن مالكا قال: لا حنث عليه بعد الموت، ولو كان قال لها أنت طالق يوم أموت أو يوم تموتين فيه، فهي طالق الساعة وهي بمنزلة من طلق امرأته إلى أجل.
قال محمد بن رشد: لأشهب في المجموعة أنه لا شيء عليه، وكذلك لو قال قبل موتي بشهر، وهو على أصله في العتق إلى مثل هذا أنه من الثلث؛ لأنه لا يكشفه إلا الموت، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول لامرأته علي نذر أن أطلقك:

قال ابن القاسم في الرجل يقول لامرأته علي نذر أن أطلقك: ليس عليه كفارة يمينه ولا غيره لأن إنما كان في الطلاق، والطلاق ليس هو مما يوفى لله به، وهو بمنزلة من قال لامرأته لله علي أن أطلقك ولم يؤمر بالوفاء به، وهو بمنزلة الذي يقول لله علي نذر ألا أكلمك فكلمه فلا شيء عليه؛ لأن نذره إنما كان في ترك كلامه.
قال محمد بن رشد: هذا كله كما قال وهو مما لا اختلاف فيه والأصل في ذلك قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه».
فالنذور تنقسم على أربعة أقسام، نذر في طاعة يلزم الوفاء به، ونذر في معصية يحرم الوفاء به، ونذر في مباح يباح الوفاء به وترك الوفاء به ونذر في مكروه يكره الوفاء به. وإذا لم يسم للنذر مخرجا فكفارته كفارة يمينه، وإذا سمى له مخرجا فلا كفارة له إلا الوفاء به إن كان مما يجب الوفاء به على ما ذكرناه وقد روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن من نذر معصية فكفارته كفارة يمين» وذهب إلى هذا جماعة من العلماء، وليس عليه في ذلك عند مالك إلا الاستغفار، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأته إن تغيبت عنك فأنت طالق:

وقال في رجل قال لامرأته: إن تغيبت عنك فأنت طالق، فعرضت له حاجة فخرج ولم يكن وجه لغيبته عنها، فلاشيء عليه ولا حنث إلا أن يكون أراد بذلك إن غبت عنك.
قال محمد بن رشد: هذا بين عله ما قال لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق.

.مسألة قال إذا وطئتك أو قال إن وطئتك كذا وكذا وطئة فأنت طالق البتة:

وقال ابن القاسم: وإذا قال إذا وطئتك أو قال إن وطئتك كذا وكذا وطئة فأنت طالق البتة، فذلك كله سواء، هو قول يطلق عليه إذا مضى أربعة أشهر من يوم قال ذلك، قال: وأرى فيه إيلاء.
قال محمد بن رشد: أما إذا قال إذا وطئتك فأنت طالق البتة فهو مول من يوم حلف، كالحالف على ترك الوطء بغير الطلاق تطلق عليه إذا أبى الفيء بالوطء، عند انقضاء أربعة أشهر على ما في أصل الأسدية، وظاهر قول ابن القاسم في المدونة وفي هذه الرواية، وقد مضى الاختلاف في ذلك وتحصيل القول فيه في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب الإيلاء.
وأما إذا قال إن وطئتك كذا وكذا وطئة فلا يكون موليا من يوم حلف إلا على القول بأن من قال إن وطئت امرأتي كل عبد يشتريه من الفسطاط فهو حر إنه مول، وهو أحد قولي ابن القاسم في المدونة؛ لأنه يمتنع من الوطء وإن كان لا يلزمه به شيء مخافة أن يلزمه به عتق ما يشتري من الفسطاط. وكذلك هذا إذا قال إن وطئت امرأتي وطئتين يمنع من الوطأة الأولى وإن كان لا يلزمه بها شيء مخافة أن يلزمه الطلاق إن وطئ ثانية، وكذلك لو قال إن وطئت امرأتي ثلاث مرات يمنع من الوطأة الأولى مخافة إن وطئ ثانية أن يلزمه الطلاق إن وطئ ثالثة، فكذلك ما زاد، على هذا القياس، إلا أنه كلما زاد ضعف لزوم الإيلاء ابتداء حتى إذا لم تبق له إلا وطئة واحدة فحينئذ يكون بمنزلة من قال امرأتي طالق ثلاثا إن وطأتها، فمساواته بين المسألتين إنما يأتي على قياس هذا القول، وعليه يأتي قول أصبغ أن من حلف ألا يطأ امرأته في هذه السنة إلا مرتين أنه مولي؛ لأن من حلف ألا يطأ امرأته كذا وكذا وطئة لا يحنث إلا بالوطئة الأخيرة ويدخل عليه الإيلاء ابتداء على أحد القولين المذكورين، ويحتمل أن يريد بقوله: فذلك كله سواء، أنه سواء في أنه مولي إذا قال إذا وطأتك فأنت طالق البتة، ومولي إذا قال إن وطأتك كذا وكذا وطئة فأنت طالق البتة إذا وطئ حتى إذا لم يبق له من عدد الوطئات إلا وطئة واحدة، وهذا أصح في المعنى، والأول أظهر من اللفظ والله أعلم.